GuidePedia


في الثامن عشر من ايار عام 1965، احتشد السوريون في ساحة المرجة، وسط العاصمة السورية دمشق، لمشاهدة اعدام الجاسوس الاسرائيلي ايلي كوهين، الذي ضُبط متلبسا داخل شقته في حي السفارات، وهو يبعث برسائل الى المخابرات الاسرائيلية، بعد اربع سنوات من التجسس لصالح المخابرات الاسرائيلية، وهو متنكرا بشخصية رجل اعمال سوري الاصل يدعى كامل امين ثابت، جاء من الارجنتين.
اعدام كوهين، طوى اربع سنوات من التجسس لاحد اشهر الجواسيس في العالم ، وان كانت قضية استعادة جثته تُشغل قادة الكيان الصهيوني الى اليوم، بعد ان رفضت سوريا تسليمها من دون مقابل، ومع اندلاع الحرب في سوريا، عاد الاسرائيليون ليحركوا مطالبتهم في استعادة رفاته.
شخصية الجاسوس الاسرائيلي ايلي كوهين، السوري الاصل والمولود في الاسكندرية، شغلت العالم لما حملته من اثارة في عالم الجاسوسية، وكثرت الروايات حول كيفية كشفه، بعد ان اقام شبكة واسعة من العلاقات مع شخصيات سياسية واقتصادية ومالية، فيما تحدثت معلومات ان كوهين كاد ان يتبوأ مراكز عليا في اجهزة السلطة في سوريا، لكن الرواية التي قد تكون اكثر دقة، هي تلك التي تحدثت عن ان اجهزة الامن السورية ضبطت اشارات لاسلكية تختلف عن ترددات السفارات الموجودة في المنطقة التي تقع فيه شقته، بعد ان تبلغت من السفارة الهندية عن رصد اشارات تشوش على اشارات السفارة، فجرى التأكد من سلامة اجهزة الارسال التابعة للسفارات، واتخذوا اجراءات داخلها بإذن من البعثات الدبلوماسية في السفارات، عادت الاشارات لتظهر من جديد، وحددوا مكان مصدرها، الى ان قبضوا على كوهين متلبسا، وامسكوه قبل ان يتناول كمية من السم.
وعلى مدى خمسين عاما، فرض الكيان الاسرائيلي حظرا تاما على المعلومات المتعلقة بكيفية تجنيد كوهين ودخوله الى سوريا وحجم المعلومات التي قدمها للاستخبارات الاسرائيلية، وبقي ملفه ضمن اسرار «الامن القومي»، الى يوم امس، حيث كشف تقرير «اسرائيلي» جديد، جوانب كانت من ضمن الحظر الاسرائيلي، فكشف موقع «واللا» الصهيوني، معلومات جديدة، اضافت اليها «عمليات تجميلية» لعمله، محاولة تصويره كـ «بطل قومي» ، قدمت خدمات هامة لاسرائيل، وتتحدث المعلومات الجديدة عن إن كوهين أسدى لتل أبيب خدمات جمّة مكنتها من استهداف الكثير في سوريا، وأن أصل دخوله الأراضي السورية مع معدات التجسس التي كانت في حوزته طوال سنوات تجسسه، جاء بمساعدة من الاستخبارات الاميركية، «السي اي ايه»، وانه خدم في التجسس لصالح الاستخبارات الاسرائيلية في دمشق، بين عامي 1962 و1965، اي ثلاث سنوات متواصلة، وكان كوهين قد أبحر من مدينة جنوى الايطالية الى الاسكندرية في مصر، ومن ثم الى بيروت، ومنها باتجاه العاصمة السورية دمشق، حيث بدأ على الفور نسج علاقات مع الطبقة السياسية والعسكرية السورية، أوصلته الى اصحاب القرار في دمشق.
ولفت تقرير و«اللا» الى أن الجولان، في تلك الأيام، كان تحت سيطرة الجيش السوري، وكان منطقة عسكرية مغلقة لا يمكن السماح بدخولها إلا بموافقة من رئيس أركان الجيش السوري، لكن بفضل الاتصالات والصداقات التي نسجها كوهين سريعا في سوريا، تمكن من الدخول الى الجولان ثلاث مرات، وبمرافقة من كبار الضباط السوريين، وكان يرسل مشاهداته ومعايناته للاستحكامات والمواقع السورية العسكرية وانتشارها واستعدادها الى المخابرات الاسرائيلية، حيث كان يراسل مشغليه يوميًا، الأمر الذي مكّن الجيش الاسرائيلي من ضرب هذه الاستحكامات بناء على المعلومات التي جمعها كوهين.
واستأجر كوهين، بحسب التقرير، شقة مقابل هيئة الأركان العامة في دمشق، وأرسل الى اسرائيل معلومات قيمة حول مراكز ومؤسسات الجيش السوري ومناطق انتشار الجيش وانتشار الدبابات وتركيز السيطرة والتحكم العسكري، وكلها وصلت الى اسرائيل إضافة الى معلومات قيمة جدًا، الى حد أن رئيس وزراء إسرائيل في حينه، ليفي أشكول، قال.. لولا المعلومات التي وفرّها كوهين لكان الجيش الاسرائيلي عانى كثيرًا مع سوريا في الجولان.
وذكر التقرير ان كوهين ولد في الإسكندرية في مصر، في كانون أول من العام 1924، من أم وأب هاجرا من حلب في سوريا الى مصر، وكان الابن الثاني من عائلة مكونة من ستة ذكور وبنتين. وفي العام 1948، هاجرت العائلة الى فلسطين المحتلة، إلا أن كوهين فضّل أن يبقى في مصر في خدمة الحركة الصهيونية، إلى ان اعتقل بتهم متعددة من قبل السلطات المصرية، لكن أُعيد اطلاق سراحه لعدم كفاية الدليل، ثم هاجر الى كيان الاحتلال، وعرض خدماته على الاستخبارات الاسرائيلية، وتجنّد في الوحدة الخاصة (قيصاريا)، التي أرسلته الى الأرجنتين بجواز سفر فرنسي، على انه من أصل سوري ويريد العودة الى وطنه الأم، وهناك في الارجنتين نسج صداقات مع الدبلوماسيين السوريين، وعلى رأسهم أمين حافظ الذي كان دبلوماسيًا في السفارة السورية هناك، وبعد عامين من ذلك اصبح رئيسًا للجمهورية السورية جراء انقلاب.
ويضيف التقرير .. لم يضيع كوهين الوقت في سوريا، وفور دخوله الاراضي السورية نسج علاقاته وصداقاته مع النخبة الحاكمة والقيادات في دمشق ، الأمر الذي مكّنه من التغلغل في الكثير من المفاصل الحساسة في سوريا واستجلاب معلومات استخبارية لاسرائيل، ومن بينها معلومات سياسية وعسكرية وتقارير عن مراكز القوى والتعيينات الداخلية والعلاقات الحزبية وحركة الطائرات والبرامج العسكرية والشركة مع الاتحاد السوفياتي والتحصينات العسكرية وإجراءات وتدابير القوات السورية في الميدان، وبشكل خاص كل ما يجري في الجولان، وفي تلك الأيام، كانت اسرائيل قلقة من أزمة مياه ومن إمكان جرّ سوريا مياه نهر الأردن وتحويلها، الا ان كوهين نسج علاقات مع مهندس المشروع واستقى منه المعلومات التي مكنت الجيش الاسرائيلي من ضرب المشروع ومنشآته وانهاء الخطة السورية في مهدها.
وكان كوهين يواظب على زيارة الكيان الصهيوني كل ستة شهور وكان يقضي شهرًا في منزله. وقبل زيارته الأخيرة لـعائلته بعث كوهين إشارة ضيق، وحينما وصل إلى «تل ابيب» كان متوترًا وعصبيًا وتبدو عليه علامات الضيق. ومع عودته إلى دمشق اكتشف أن الاستخبارات السورية فتشت منزله خلال غيابه، وفي العام 1965 داهمت قوة عسكرية منزله واعتقلته متلبسًا خلال إرسال رسالة للاستخبارات الإسرائيلية. وفي 18 أيار نفذ به حكم الاعدام في ساحة المرجة في دمشق.
الجاسوس الذي شاهد السوريون نهايته في ساحة المرجة، وصفته تقارير كانت اقرب الى الواقع، بانه «الجاسوس الخائب» الذي صنعت اسرائيل منه هالة، سوّقت صورته بـ«الاسطورة» التي قدمت خدمات كبرى للكيان الصهيوني، وذكرت تقارير تناولت شخصيته واستندت الى شهادات من عائلته، وبخاصة من زوجته ناديا كوهين التي تعيش المرارة وتتهم اسرائيل بأنها تركته عاريا وانها لم تبذل اي جهد لاستعادة رفاته، وتقول في حديث تلفزيوني.. كان يمكن لاسرائيل ان تطلق سراح العديد من الاسرى والمعتقلين السوريين من ابناء الجولان السوري المحتل مضى على اعتقالهم اكثر من 20 عاما، مقابل رفات ايلياهو، وان كوهين ندم كثيرا على عمله التجسسي، وان رسالة وصلت الى زوجته قبل اعدامه، وقد دعاها الى مغادرة الكيان الاسرائيلي.
في العام 2008 .. ناشدت زوجة كوهين الرئيس السوري بالافراج عن رفاته، فيما ابدت ابنته صوفي استعداها لزيارة سوريا، لكي تطلب من القيادة السورية تسليمها رفات والدها، ووجهت انتقادات لاذعة للسياسيين الاسرائيليين الذين يطالبون دمشق بـ«مبادرة انسانية» لاعادة رفات والدي، فيما هم يستفزون سوريا بعمليات اسرائيلية وبمواصلتهم احتلال الجولان السوري، وتسأل كيف يمكن للسوريين ان يستجيبوا لطلبي باعادة رفات والدي ، فيما هم يتعرضون لغارات الطيران الاسرائيلي؟
ومع اندلاع الحرب على سوريا، اعلنت ارملة كوهين، ان المخابرات الاسرائيلية جندت فرقا من «الجيش السوري الحر» الذي يقاتل النظام، بالبحث عن مكان دفن زوجها والعمل على اعادة رفاته، وقالت في السنوات الماضية، لم ينجح عملاء اسرائيل في سوريا في العثور على اي اشارة تدل على مكان دفن ايلي، ونأمل الحصول على رفات كوهين بعد انتهاء الأزمة في سوريا.
1 ـ اعدام الجاسوس الاسرائيلي ايلي كوهين في صحيفة اسرائيلية
2 ـ اُعدم في ساحة المرجة .. باسم الشعب العربي في سوريا
3 ـ الجاسوس كوهين او «رجل الاعمال السوري» كامل امين ثابت

"اعداد : محمود زيات - الديار"

[اخبار سياسية][hot][recent][3]

[اخبار امنية][hot][recent][3]

[اخبار اقتصادية][hot][recent][3]

[اخبار رياضية][hot][recent][3]

[الشارع العراقي][hot][recent][3]

[العالم][hot][recent][3]

[حول العالم][hot][recent][3]

[علوم وتكنلوجيا][hot][recent][3]

[صحة][hot][recent][3]

 
Top